كان عام 2011 عاما حاسما فى المنطقة العربية ولاشك فتاريخ 14 يناير 2011 تنحى الرئيس التونسى عن حكم البلاد نتيجة ثورة شعبية بدأت فى نهايات عام 2010 ثم تلتها بعد ذلك ثورة 25 يناير فى مصر والتى ادت هى الاخرى الى تنحى حسنى مبارك عن الحكم فى 11 فبراير 2011 وبعد ذلك بدأت الثورات تباعا فى البحرين ثم ليبيا ثم المغرب فسوريا واليمن وكأن الثورة مثل الفيروس الذى ينتشر فيصيب كل من يتنفسه ولكنه هذه المرة كان فيروسا للحرية والإنتقال من حالة الجمود والركود الى حالة الحراك نحو مستقبل جديد تنعم فيه الدول العربية بثرواتها الحقيقية وينتهى عهد مجتمع النصف بالمائة .
ولكن كان الفيصل الحاكم فى نجاح بعض هذه الثورات وتعثر الاخرى هى قوة الجيش فى كل دولة فنجد ان الجيش فى كل من تونس ومصر قد وقف بجانب الثورة فى البلدين ، وبغض النظر عن اسباب قيام الجيشان بهذا المنحى وانحيازهم لصالح الشعبين الا انه فى النهاية كان هو العامل الفيصل فى نجاح الثورتين .
فاذا نظرنا الى ليبيا وهى دولة ذات وضع مختلف فلم يكن هناك جيش بالمعنى المفهوم للقوات المسلحة فى الدول وانما كانت عبارة عن فصائل او كتائب شكلها القذافى معظمها من المرتزقة من الدول الإفريقية وامريكا اللاتينية تحارب من اجل المال وتحارب لصالح من يدفع اما جيش بالمفهوم التقليدى من ابناء البلد فلم يكن موجودا بهذا الشكل المنظم فى ليبيا وبالتالى فالجيش فى ليبيا لم يكن موجودا بالفعل او لم يكن له دورا حاسما فى ليبيا .
واذا اتجهنا بانظارنا جنوبا نحو اليمن أو شمالا نحو سوريا فنجد ان الجيشان قد اخذا منحى مغايرا لما حدث فى تونس ومصر واتخذوا موقفا مدافعا عن شرعية الرئيس وليس شرعية الدولة والشعب ولهذا نجد أن الثورة فى هاتين الدولتين مازلت تتعثر بل وذهب فيها ضحايا كثر جراء قيام الجيش فى كل منهما بالحرب ضد الشعب مستخدما اسلحته التى يجب ان توجه الى الأعداء فوجهها الى صدور الشعوب وهو بالطبع مااخر النتيجة الحتمية للثورتين .
المشكلة هنا ليست فقط فيما يحدث الأن فى كل من سوريا واليمن ولكن تكمن المشكلة فيما سيحدث عقب انتصار الثوره فيهما والمشكلة الأكثر حدة فى سوريا بالطبع .
فمهما شئنا أم أبينا فالقوات المسلحة فى دول العالم النامى انما هى تشكل حجر الزاوية فى وجود الدولة ذاتها بل يمكن القول انها المؤسسة الوحيدة فى هذه الدول ذات الهيكل التنظيمى الواضح والسلطات والمسئوليات المحددة والكيان شبه المستقل عن باقى اجهزة الدولة بل انه فى تونس ومصر عندما انهار النظام تماما سواء مؤسسات تشريعية او تنفيذية بقى الجيش فقط هو المؤسسة التى يمكن ان تركن اليها باقى الدولة فى تسيير الامور وبالتالى فحتى لو لم تقم القوات المسلحة بالدور الذى يطلبه الثوار بعد انتصار الثورة او تباطؤ تنفيذ المطالب كما يحدث فى مصر الا ان الامر يجب ان لايتعدى تنظيم مظاهرات او مليونيات للضغط لتنفيذ المطالب اما اكثر من ذلك وماقد يؤدى الى انهيار المؤسسة العسكرية فهو يعنى انهيار الدولة ذاتها وتحولها الى حطام وتصبح صومالا جديدا فى المنطقة .
وبمعنى اخر فلو انتصر الثوار فى سوريا وازعم انه سيحدث ان شاء الله فماذا سيكون موقف القوات المسلحة من النظام الجديد ففى مصر مثلا مثلت بعض قوات الشرطة مايمكن ان نسميه بالثورة المضادة ولكن الأمر هنا يمكن القول انه تحت السيطرة نظرا لضعف ومحدودية اعداد هؤلاء وكذلك تسليحهم وكل مافى الامر مجموعه حوادث متفرقة هنا وهناك والامر ينحصر فى بلطجية سيأتى يوما قريبا وتعود الأمور الى نصابها من جديد ومن السهل اعادة تشكيل جهاز الشرطة ولكن من الصعب ان يتم تشكيل قوات مسلحة .
اما الموقف فى سوريا فهو جد شائك ومستقبل مظلم غير معلوم فالقوات المسلحة السورية المفترض انها تمثل تهديدا ولو شكليا ضد اسرائيل نظرا للعوامل الجغرافية وقرب كل من دمشق وتل ابيب يجعل دائما اسرائيل تنظر الى سوريا بارتياب وبالتالى فالجبهه الاولى هنا بالنسبة لاسرائيل هى سوريا نظرا للتقارب الجغرافى ودعم سوريا لحزب الله فى لبنان وتاتى الجبهة المصرية فى المرتبة الثانية بالنسبة لاسرائيل (هذا ايضا ماوضح جليا فى حرب اكتوبر عام 1973 فعقب بداية الحرب كانت الجبهتان المصرية والسورية تحاربان معا ولكن اسرائيل وجهت كل قوتها الى الجبة السورية فى بداية الحرب لايقاف تقدمها حيث ان هضبة الجولان تطل مباشرة على اسرائيل اما عمق سيناء فمثل لاسرائيل أولوية ثانية مما دفع الرئيس السادات ان يعمل على تطوير الهجوم المصرى لتخفيف الضغط على سوريا )
اما والموقف الحالى هكذا فان انتصار الثورة فى سوريا سيؤدى الى احد الإحتمالين أما انهيار القوات المسلحة لسوريا وبالتالى تصبح دولة بلامؤسسات فمجلس الشعب هناك هو مجلس بلا سلطات والأجهزة التنفيذية كلها تتبع حزب البعث السورى وبالتالى ستأخذ الأوضاع ذات الشكل الذى كانت ومازالت عليه العراق ولاسيما وان التركيب السكانى فى سوريا يشبه العراق من اختلاف الأجناس والأعراق والمذاهب الدينية ومن ثم فعدم وجود قوة مسلحة مسيطرة على الوضع سيؤدى الى لبننه أو صوملة سوريا ومن الممكن ان تدخل فى أتون حرب اهليه طويلة المدى مما سيؤدى الى قيام اسرائيل بالطبع باعادة ترتيب اولوياتها العسكرية على الحدود بالنسبة لجبهاتها وستصبح الحدود المصرية بالطبع هى الاولى بالنظر .
اما عدم إنهيار القوات المسلحة فى سوريا وقد ينهار النظام السياسى ويهرب الأسد ويبقى الجيش وبالطبع ستقع مواجهات مباشرة بين قوات مسلحة ينظر الشعب لها نظرة الأعداء وبين شعب سيتم تسليحه وهنا ستكون الحرب الأهلية بين جيش يدافع افراده عن حياتهم وشعب يريد الإنتقام بل قد يصل الامر بعد هروب الأسد الى سلسلة من الإنقلابات العسكرية فى سوريا وتخضع مرة اخرى الى حكم عسكرى قاس كما حدث فى الستينيات من القرن الماضى والتى بدأت بالانقلاب الأول لعبد الكريم النحلاوي في 28 سبتمبر 1961 ثم الانقلاب الثاني لعبد الكريم النحلاوي في 28 مارس 1962 ، انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963،انقلاب أمين الحافظ في 27 يونيو 1963، انقلاب صلاح جديد في 23 فبراير 1966 ، وأخيرا الحركة التصحيحية في 16 نوفمبر 1970 بقيادة حافظ الأسد .
والأن وبعد هذا السيناريو المتوقع ماهو الحل كي يمكن ان نتلافى هذه التداعيات ؟
انا ارى ان الأمر يستدعى بالفعل تدخل خارجى سواء سياسى او عسكرى لاجبار الأسد على الرحيل مع تولى أحد قيادات الجيش المنشقة على الأسد مقاليد الأمور مؤقتا للحفاظ على هيكل القوات المسلحة لحين اجراء اصلاحات سياسية ودستورية تحقق مطالب الثوار وتبقى على الهيكل الأساسى للقوات المسلحة السورية على الأقل قائما وان يتم تغيير قادة الجيش بصورة تدريجية وبما يحقق هدف الإستقرار .
انا ارى انه حل مناسب وان كنت ارى ان احتمالات هذا السيناريو طبقا للتاريخ السورى من الصعب تحقيقة ولكنه مجرد امنية ان تتحقق فالحرب الأهلية فى نظرى قادمة لامحالة الا ان يريد الله امرا اخر وهذا ماندعو الله ان يحققه
هناك تعليق واحد:
استاذنا العزيز: كلامك كله فى محله وخصوصا موضوع سوريا ، فعلا الموضوع معقد جدا بس معلش شايف انه هاينتهى زى باقى الدول فى المنطقة بس مع وقت طويل وتضحيات اكتر.. واكيد الجيش فى الاخر هاياخد اتجاه الثوار وساعتها الدنيا هاتنهار فى لحظة واحدة او واحد هايقوم بحركة ويخلص الليلة .. اظن دة اللى هايحصل
إرسال تعليق