تعرف قوانين التطور الاجتماعي بأنها القواعد المعبرة بكلمات أو برموز رياضية و التي تشرح معطيات اجتماعية معروفة بصورة مقبولة والتي قد اكدتها الاختبارات العلمية السابقة والتي تعتبرها المجموعة الاكاديمية صحيحة.
إنّ المجتمع البشري عبارة عن منظومة معقدة غير متوازنة تتغيّر وتتطوّر باستمرار، حيث تدفع تعقيدات وتناقضات التطور الاجتماعي الباحثين إلی الاستنتاج المنطقي التالي: إنّ أي تبسيط أو تقليل أو تجاهل تعدّدية العوامل الاجتماعية يؤدي حتماً إلی تكاثر الأخطاء وعدم فهم العمليات البحثية. وقد استقرّ الرأي على أنّ اكتشاف القوانين العلمية العامة مستحيل في مجال دراسات التطوّر الاجتماعي مسيطراً وخاصة بين الذين يتخصّصون في الإنسانيّات ويواجهون بشكل مباشر في بحثهم كل تعقيدات وتركيبات العمليات الاجتماعية.
فطريقة بحث المجتمع البشري كمنظومة بالغة التعقيد هي أن نعترف بمستويات مختلفة من التجريد ومقاييس الزمن. فالمهمة الأساسية للتحليل العلمي هي إيجاد القوی الرئيسية التي تؤثّر علی أنظمة معينة لاكتشاف القوانين العلمية المبدئية عن طريق التجرّد من التفاصيل وانحرافات القواعدوهو مايختلف بطبيعة الحال فى دراسة المجتمع البشري الذى هو عبارة عن منظومة بالغة التعقيد بالفعل وبالتالى لا يمكننا وصفها بقوانين علمية بسيطة.
وإنطلاقاً من المقدمة السابقة فانه بالطبع يصعب الحكم على تطور الحضارة فى اى شعب ولكن وبصفة عامة نجد ان الشعوب ذات التاريخ تتطور حضارتها غالبا الى الأمام أو مايمكن أن نطلق عليه بالمعادلة الرياضية أن الحضارة الإنسانية تتطور إيجابيا مع الزمن أو برواية أخرى ان هناك علاقة طردية بين الزمن والتطور الحضارى ولاسيما أيضا السلوك الحضارى للبشر ويمكن فى هذا الإطار إستعراض بعضا من تطور الحضارات الغربية .
ففى ألمانيا ظهر السياسى الألمانى بسمارك الذى شغل منصب رئيس وزراء مملكة بروسيا بين عامي 1862 و 1890، وأشرف على توحيد الولايات الألمانية وتأسيس الإمبراطورية الألمانية أو ما يسمى بـ "الرايخ الألماني الثاني", وأصبح أول مستشار لها بعد قيامها في عام 1871، ولدوره الهام خلال مستشاريته للرايخ الألماني أثرت أفكاره على السياسة الداخلية والخارجية لألمانيا في نهاية القرن التاسع عشر، لذا عرف بسمارك بلقب "المستشار الحديدي". واصبح بسمارك ملهما للشعب الألمانى وتطورت المانيا بصورة دوما الى الأمام حتى حينما أنهزمت فى حربين عالميتين ألا ان المانيا استعادت قوتها واصبحت الدولة المحورية فى الاتحاد الأوروبى وفى ذات الوقت تطور السلوك الالمانى الإنسانى بصفة عامة واصبح التعصب للقومية الألمانيه أقل حدة وعنفاً .
وإذا اتجهنا الى باقى الدول الكبرى من فرنسا الى انجلترا مرورا باليابان وكوريا انتهاء بالولايات المتحدة نجد ان الحضارة والسلوك الحضارى للشعوب ( وليس الحكومات ) يتجه صوب الأمام وينعكس هذا بالطبع على كل مناحى الحياة فيها من فن وعلم وأدب .
ومع التطور العلمى السريع فى العالم كله نجد أنه يسير الى جواره تطور إجتماعى وأخلاقى فى علاقة طردية بين المتغيرين ورغم ان التطور العلمى يسير بسرعة أكبر إلا اننا نجد ان التطور الإجتماعى والأخلاقى يسير بسرعة أبطأ ولكن يظل يتحرك الى الامام ومن حقبة الرقيق والإستعباد تطور الامر وبدأت تظهر منظمات عالمية لتشجع العمل الإجتماعى للمؤسسات الإقتصادية وظهرت جمعيات أهلية دولية ومنظمات إنسانية كمنظمة أطباء بلا حدود ومنظمة أوبرا وينفرى ( نسبة الى المذيعة الأمريكية المشهورة ) وحتى الملياردير بيل جيتس الذى ترك العمل الإقتصادى وتوجه بجزء ليس بقليل من ثروته للعمل الخدمى الإجتماعى وحتى جمعيات الرفق بالحيوان والإعلان العالمى لحقوق الإنسان هما نتاج التطور الطبيعى للزمن واصبحت العلاقه بين المتغيرات الإنسانية والعلمية تتطور دوما الى الأمام مع الزمن .
ولكن مايزيد من تعجبى انه وعلى الرغم من وضوح هذه العلاقة دوليا نجد أن الأمر يختلف فى مصر ( لااعرف لماذا ) فدائما التطور فى السلوك يسير عكس اتجاه الزمن فقديما ( لن أعود بالطبع الى أزمنة سحقية ولكنى سأكتفى باسماء ظهرت فى بدايات القرن الماضى ) مثلا كان من العلماء فى كافة المجالات بداية من قاسم امين وطه حسين والعقاد ومى زيادة فى الادب مرورا بمصطفى مشرفة عالم الذرة الذى شهد له اينشتين ذاته وكان ايضا محبا للموسيقى وسميرة موسى وسمير نجيب ويحيى المشد فى العلم وأم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ و............. فى الفن ومصطفى كامل وسعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وصفية زغلول فى السياسة ويوسف وهبى ونجيب الريحانى وفاتن حمامة فى التمثيل وغيرهم وغيرهم الكثيرين فى كافة المجالات ، والتى شهدت مصر منذ بداية القرن الماضى وحتى منتصفه تقريبا حراكا علميا وفنيا وفكريا وسياسياً شهد له العالم .
بل والاكثر من ذلك ان السلوك الإجتماعى للشعب المصرى كان راقيا ومبادئ الشهامة والفروسية والجدعنه والرحمة هى أصل التعامل بين الناس والحث على التمسك بالتقاليد والمبادئ والقيم ونبذ كل اشكال الإنحراف والمنحرفين كان سمة رغم كل مايقال عن هذه الحقبة من خضوع للإحتلال الإنجليزى كانت الحريات والمبادئ هى الإطار الذى تعيش مصر بداخله .
بل أذكر فيما أذكرة فى حقبة السبعينيات من القرن الماضى ونحن مازلنا شبابا يبحث عن الحب مع فتاه كنا مثلا لانستطيع الإقتراب من حى شبرا مثلا أو منطقة الكوربة فى مصر الجديدة لان بنات هذه المناطق محمية من شبابها وياويل اى شاب تسول له نفسه ويعاكس فتاه فى هذه المناطق ودائما مايكون نصيبة علقة ساخنه من شباب الحى أما اليوم فشباب المناطق هم من يتحرشون ببنات منطقتهم( أو زى مابيقولوا بالبلدى بنات حتتهم )
ولكن وللأسف الشديد نجد أن مصر تسير دوما عكس اتجاه التطور العلمى والسلوكى عبر الزمن فنجد ان هذا التطور العلمى لم يواكبه تطورا فى مصر بل نقلنا ادوات العلم دون ان نشارك فى صنعها والأعجب ان السلوك الإنسانى ايضا انحدر عاكساً الإنحدار العلمى فبعد أم كلثوم وعبد الوهاب فى الفن ظهر سعد الصغير وبعد مصطفى النحاس وسعد زغلول ظهر جمال مبارك وأحمد عز ولم يظهر من نبت ارض مصر عالما واحدا ( بالطبع انا لم أدخل فى المقارنة دكتور زويل أو غيره من علماء مصر الأجلاء حاليا لانهم لم يعيشوا فورة نجاحهم فى مصر بل توافرت لهم ظروف الغرب التى تناولناها سابقا ) وبعد رواية الأيام ودعاء الكروان ظهرت عمارة يعقوبيان وخديوى أدم وشيكاغو وغيرها ممن يطلقون عليهم رواد التحديث وهم غير ذلك وظهر أدباء الأدب الرخيص وصحف الفضائح بدلا من اللواء و الاهرام والأخبار وتسلل الإنحدار الى أخلاق المصريين ايضاً فبعد الشهامة والجدعنه ظهر البلطجية حتى النصب على الناس كان فى الماضى يتم بصورة لاتؤذى المنصوب عليه بدنيا وشاهدنا افلام مثل العتبة الخضرا الذى تراه فيلما جيدا وظريفا ومحترما أما اليوم فلاتكاد يخلو فيلم سينمائى أو مسلسل تليفزيونى من الأباحة والشتائم والردح ورجال الأعمال اللصوص والقتل والتدليس ونساء عاهرات ان لم يكن فى التصرف ففى الملابس التى يرتدونها وتكاد ترى كل ماهو سلبى يطفح به سطح مصر لماذا لأعرف ؟
والسؤال الأخر هل هذا الإنحدار له علاقة بالحياة السياسية ؟ أو بمعنى أخر هل كانت السياسة عقب ثورة يوليو 1952 لها هذا التأثير الشامل والتغيير الراديكالى فى أخلاق الشعب المصرى ؟
والمتابع لهذا التطور سيجد أن التغيير قد بدأ بطيئا فى الخمسينات والستينيات من القرن العشرين ولكنه بدأ يسرع خطاه فى منتصف السبعينيات ووصل الى السرعة القصوى بداية من أوائل القرن الحادى والعشرين .
والإجابة على هذه التساؤلات تطرح منحاً أخر عند المقارنة بين التأثيرات السياسية على البعد الإجتماعى فى مصر من جهة وفى معظم دول العالم من جهة اخرى ، فعلى الرغم من سيادة الدكتاتورية الفاشية فى المجتمعات الغربية خلال النصف الأول من القرن العشرين ولاسيما عقب تولى هتلر مقاليد الامور فى ألمانيا وموسيلينى فى إيطاليا ومن بعدهم فيشى فى فرنسا وستالين فى روسيا اندلعت الحرب العالمية الثانية واشتد أوارها ومات عشرات الملايين إلا انه فى النهاية إنتصر من إنتصر وأنهزمت قوى الفاشية كان التصرف الإنسانى المحتمل والمتوقع هو ظهور الإنتقام كمبدأ عام فى الدول الغربية أى تقوم شعوب الدول المنتصرة بمحاولة إذلال شعوب الدول المنهزمة والإنتقام منها ، وفى هذا الإطار فقد شاهدت فيلماً تسجيليا عن الحرب العالمية الثانية ( بالطبع من بين مئات الأفلام التى تناولت الحرب) ووجدت إحتفال الشعب الفرنسى بدخول قوات الحلفاء الى باريس واصطف الشعب على الجانبين يهللون للجيش المنتصر ولكن بمجرد ان مرت القوات قام الشعب رجالا ونساء بكنس الشوارع وتنظيفها مكان عبور القوات.
ونجد أنه حدث إنحسار سريع ومتلاحق لمحاولة تدمير قوى الشر المتمثلة فى المانيا وايطاليا واليابان من شعوب الدول المنتصرة وبدأت الدول المهزومة من الصفر تقريبا وتطورت إقتصاديا وسياسيا عبر الزمن والأهم أنها تطورت أخلاقيا وأجتماعيا أيضا وصار الجد فى العمل والصدق فى المعاملة بل والرحمة سواء مع الإنسان او الحيوان تنضج وتذدهر ( أكرر هنا أنى مااتناوله هو سلوك الشعوب وليس الحكومات ) وهذه التصرفات تعكس صحة الفرضية الخاصة بان السلوك الإنسانى بصفة عامة يتطور إيجابيا عبر الزمن مهما كانت الظروف السياسية المحيطة بالبشر.
وأنا هنا قد أعرض تجربة شخصية للتأكيد على ماحدث فعندما كنت فى إنجلترا لمده عامين ونيف بسبب العمل كان الإنجليز شعبا ودودا جدا بداية من جيران مرورا بمعلمة إبنى فى المدرسة ونهاية بكل من تعاملت معهم من الإنجليز عكس ماقيل لى قبل السفر من انى لن اجد من يساعدنى أو ان العلاقات الإجتماعية تكاد تكون منعدمة وأذكر ان جارتنا الانجليزية استمرت فى ارسال كروت معايدة الى ابنتى عقب عودتنا الى مصر حتى سبع سنوات من عودتنا فى عيد ميلاد ابنتى دون كلل او حتى دون انتظار الرد من جانبنا .
أما فى مصر فأننا نجد أن الامر يختلف ورغم ان مصر فى العصر الحديث لم تمر بما مرت به أوروبا اللهم الا هزيمة يونيو عام 1967 ومع محدودية المعركة العسكرية وانحسارها فى منطقة سيناء نجد أن هذا الحدث قد أثر سلبا وبصورة كبيره على السلوك البشرى فى مصر بين موجات الإنحدار ولاسيما فى الفن وظهرت أفلام مثل مملكة الحب وعاشقة تحت العشرين و...... التى ملأت دور السينما فى هذا الوقت وموجات أخرى من الرقى ولاسيما عقب حرب أكتوبر 1973 مثل الرصاصة لاتزال فى جيبى والوفاء العظيم وإنتهاء بفيلم الطريق الى إيلات .
والأهم من ذلك انه عقب الإنفتاح الإقتصادى تقريبا سقطت المبادئ الإجتماعية والأخلاقية رويدا رويدا ليس فى الفن فقط ولكن ايضا فى السلوك والأخلاق كما سبق وان أشرنا آنفاً ورغم هامش الحرية السياسية التى أتاحها السادات ومن بعدة مبارك رغم انه هامش بسيط لم يحظ به مثقفوا الستينيات من القرن العشرين إلا أن ذلك لم يشفع للسلوك الإجتماعى أن يرتقى بل أنه عقب ثورة يناير 2011 والتى بدأت كثورة مثالية فى كل جوانبها سواء القائمين بها أو المؤيدين لها إلا انه سرعان ماتغلب السلوك السلبى على المصريين وباتت البلطجة والعشوائية تكاد تغرق الشعب والبلد فى آتون من الفوضى اللانهائية بل أيضا ظهرت قوى على الساحة لم تشارك فى الثورة ووثبت عليها وامتصت نجاحها لتحوله الى وصلات تليفزيونية من السباب والهجوم على كل من يخالف رأى المتحدث وإندثرت تماما مبادئ إحترام الكبير والحوار الراقى ونسى الناس قول الله تعالى " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" صدق الله العظيم
بل أن الفن ذاته لم يرتق بعد الثورة ووجدنا فى شهر رمضان الكريم عام 2011 وكأن شيئا لم يتغير فى مصر نفس الإسفاف الفنى سواء فى الشهر الكريم أو بعده وظهرت افلام شارع الهرم ( اكيد اسم على مسمى ) وانا بضيع ياوديع و........
وهذا مايعود بنا الى السؤال الأساسى هو لماذا يتطور السلوك الحضارى فى مصر عكس تطور الزمن كما يحدث فى العالم كلة الذى يتطور إيجابيا مع الزمن ؟؟؟؟؟
هناك 6 تعليقات:
قلت كل اللى بفكر فيه وكل اللى بقوله للمقربين من الأصدقاء - بس معنديش اجابة
غير انه مافيش فايدة
وتحياتى لقلمك
أراك متحامل على هذا الجيل .. معلش أعذرنى لكن أمثلتك للمقارنة كلها تحتاج للرجوع فى مناقشتها.. أراك متمسك بالجمال كما رأيته وكما عرفته أول مرة ولاتريد أن ترى غيره أحيانا.. تقبل نقدى فهذه أول مرة أختلف معك فلسنا فى الإتجاه الخطأ أو العكسى فى كل شئ ..نعم نحتاج للكثير من النقد الذاتى وإعادة التقييم لتجاربنا العصرية ولكن رفقا بنا وبأولادنا.. لك منى كل تحية وتقدير
فعلا والله اصلا كل جيل اسوأ من اللى قبله
على فكره انا فافى (وفاء شلبى) اتقابلت معاك فى بينوس اتمنى تتابع مدونتى وترد لى الزياره
الى منى طبعا بنفكر زى بعض من جاور القوم اشكرك جدا على الهدية
الى صابر
اعتقد ان التحامل لايكون الا بذكر كلام دون وقائع وانا ذكرت كلام مؤيد بوقائع
الى فافى
اسف للتاخر فى الرد وطبعا اكيد حشوف مدونتك
إرسال تعليق